التمهيد؟
المبحث الأول: البنيوية لغة واصطلاحاً.
المطلب الأول: البنيوية لغة عند الغرب.
المطلب الثاني: البنيوية لغة عند الغرب.
المطلب الثالث: البنيوية اصطلاحاً.
المبحث الثاني: نشأة البنيوية وعناصرها.
المطلب الأول: الآراء النقدية التي تتشابه مع فكر البنيوية
المطلب الثاني: نشأة البنيوية
المطلب الثالث: عناصر البنيوية
المبحث الثالث: البنيوية والعرب.
المبحث الرابع: البنيوية إلى أين
تمهيد: البنيوية مفهومها وأصولها؟
تتعدد المناهج النقدية في العصر الحديث بين ما يهتم بكل ما يحيط بالنصوص الأدبية المناهج السياقية، وبين المناهج التي تدرس الأدب من داخل النص واعتمادها على النص وحده، دون النظر إلى الأمور المحيطة به، ومن هذه المناهج البنيوية التي توصف بأنها رؤية في النص الأدبي من الداخل.
يقوم البيت في العادة على أسس وقواعد، وينطلق هذا البناء من خلال هذه القواعد، وكل مجسم في الكون يحتاج عوامل داخلية حتى يكتمل، ثم يبدأ المجسم بالاستقرار بعد ارتكازه على هذه القواعد، كذلك الحداثة التي انطلقت منها البنيوية وغيرها من المناهج. تنطلق المناهج النصية من أصغر وحدة صوتية وهو الفونيم الألفاظ، ثم الجمل، فالنص الإبداعي كله. إن المناهج النصية تبدأ من الصوت، وتنتهي بالتراكيب فتكامل أجزاء القصيدة. إن التشابه بين العمل الأدبي، وما يقوم عليه النظام الكوني يكون من خلال تكامل جزئيات هذا النظام فالبيت الشعري يمتلك مقومات داخلية مترابطة، ومتناسقة لا يمكن الخروج عنها، حتى لا يحدث خلل أو عدم اتزان، لذا فإن المناهج النصية ترفض كل ما هو خارج النص الأدبي لأنها تعد قوة النص في داخله فقط، دون الحاجة للظروف الخارجية التي يعتقد أنها سبب إنشاء النص الإبداعي، وقد تطورت هذه المنهجية حتى وصلت حد إعلان موت المؤلف.
المبحث الأول البنيوية لغة واصطلاحا؟
ذهب كثير من الباحثين وسيأتي عرض تفصيل ذلك إلى أن البنيوية من المناهج التي لها أصول في التراث النقدي العربي، والغربي، القديم والحديث، إن كلمة البنيوية تحمل عدة معان، وتحمل عدة أغصان في داخلها، إن كل معنى أخذ من غيره وبنى عليه، وأخرى بنا أن نبدأ بعرض مفهومها.
المطلب الأول البنيوية لغة عند العرب؟
إن أفضل الطرق لمعرفة مفهوم البنيوية الرجوع للمعنى اللغوي والاصطلاحي، ومن البدهي أن من أفضل الطرق والوسائل لتحديد المصطلح هو معاينته أولاً في معاجم اللغة، ففي المعاجم اللغوية تكمن دلالات الألفاظ، وتبرز جذورها، وتتبدى مراحل تطورها، فماذا تعني البنيوية في معاجم اللغة.
بني لغة قبل الرجوع إلى المعاجم يجب الرجوع إلى أصدق الكلام وهو كتاب الله؛ لأن القرآن ذكر شيئا يدل على هذا المعنى، وذلك في قول الله تعالى في سورة الكهف: وكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنْ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنزَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بَنَيْنَا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِم قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أمرهم لنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهم مسجدًا.
ذكرت كلمة البناء، و تدل هذا على إنشاء شيء لم يكن موجودا في الأصل وهو بناء المسجد، فهذا يدل على أن هذا المعنى ليس فقط في عصر الرسول محمد صل الله عليه وسلم بل جاء من العصور السابقة.
أما المعنى اللغوي لكلمة البنيوية فيرجع للجذر اللغوي وهو بني، فقد جاء في معجم مقاييس اللغة الباء والنون والياء أصل واحد، وهو بناء الشيء بضم بعضه إلى بعض، انطلق معجم في الجذر اللغوي من عملية البناء وربط أجزاء البناء فوق بعضها البعض.
أما معجم العين: بنى البناء البناء بيني بنيا وبناء وبنى مقصور والبنية الكعبة، يقال: لا ورب هذه البنية، والمبناة: كهيئة الستر غير أنه واسع يُلقى على مقدم الطراف، وتكون المبناة كهيئة القبة تجلل بيتا عظيما، ويسكن فيها من المطر، ويكلون رحالهم ومتاعهم، وهي مستديرة عظيمة واسعة لو ألقيت على ظهرها الخوض تساقط من حولها، ويزل المطر عنها زليلا، تحمل الدلالة اللغوية لكلمة البنية في معجم العين في عدة معان: الأول هو بناء بيت الله، والثاني القبب التي تزين البيت، وتجمله، وترفع من قدره وتحميه من الأمطار، إن المعنى الأول والثاني كلاهما يحملان شيئا ملموسا ماديا، يدل كل منهما على الثبات.
أما في معجم مختار الصحاح (بنى) بيتا، وبنى على أهله يبني زقها (بناء) فيهِمَا، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ : بَنى بِأَهْلِهِ، وَهُوَ خَطاً قُلْتُ: وَهُوَ رَحمه الله قد قاله بالباء في (ع ر س) وكأن الأصْلَ فِيهِ أَنَّ الدَّاخِلَ بِأَهْلِهِ كَانَ يَضْرِبُ عَلَيْهَا قُبة ليلة دخوله بها، فقيل لكلِّ داخِل بِأَهْلِهِ (بَانِ) و (ابْتَنى) (دارًا وَ بَنَى) بِمَعْنَى وَالْبُنْيَانُ الْحَائِطِ وَ(الْبَنِيَّة) على فعيلة الكعبة، يقال: لا ورب هذه البنية ما كان كذا وكذا. وَ(الْبَنَى) بالضم مَقْصُور البناء يُقال: (بنية) و(بنى) و (بلية) و (بني) بكسر الباء مقصور مثل جزية وجزى، وفلان صحيح (البلية) أي الفطرة.
وفي أساس البلاغة مثل المعزى تبهي ولا تبني، أما المعنى اللغوي هنا فليس فقط في المعنى الداخلي للبناء، وإنما امتد من الداخل للخارج والمنافسة على جمالية البيت والبناء، ودخلت جماليات خارجه في أساسه.
أما في لسان العرب: البنية والبنية ما بنيتة وهو البنى والبنى يقال بنية وهي مثل رشوة ورشاء كأن البنية الهيئة التي بنيت عليها مثل المشية والركبة، والبني بضم المقصور مثل البني يقال بنية وبني بكسر الباء مقصور مثل جزية وجزى، وفلان صحيح البنية أي الفطرة، وأبنيت الرجل أعطيته بنى وما يبتني به الأرض، كلمة بني تأخذ معناها من نفسها، أي تنظر لكل شيء على أنه بناء، والتوسع العمراني بناء، وجسم الإنسان بناء كامل متكامل لا تستطيع فصل جزء من هذا الجسم أو الروح، فإذا فصل يبدأ الجسم بالهدم حتى يكمل هذا النقص، فالسماء بناء، والأرض بناء، والفلك بناء والشمس والقمر بناء أما في أساس البلاغة فبنى بنى بينا أحسن بناء وبنيان، وهذا بناء حسن وينيان حسن، وبناؤك من أحسن الأبنية وبنت وثنية عجيبة، ورأيت البني فما رأيت أعجب منها وبنى القصور وفلان يباني فلان يباريه في البناء وابتني لسكناه دارا وأبنيته بينا.
في المحيط في اللغة جاء بنى بنى البناء بناء وبني وبنية وبنية، وبان حسن البناية، والأبناء جمع الباني، وفي المثل: (أجناؤها أبناؤها) وينت الأبنية: أي بنيت بلغة طبي، وبنيائة واحدة وبنيان كثير، وأبنيت فلانا بيتا : أي جعلته له بناء.
إن المعنى اللغوي هنا يتكون من البناء، الذي اعتمد فيه على غيره من المعاجم، واستقى المادة المعجمية منها، وهي البناء العمراني وجمالية البناء لذا فإنه لم يخرج عن الإطار العام للمعنى الذي ورد عند غيره.
أما في معجم تاج العروس: بني البني : نقيض الهدم. يقال: بناء يبنيه بنياء بالفتح، وبناء، بالكشر والمد، وبني، بالكسر والقصر، وبنيانا، كعثمان، وبنية وبناية، بكثرهما، وابتداء وبناه، بالتشديد للكثرة، كل ذلك بمعنى واحدة من الأخيرة قصر مبني أي مشيد، قال الأعور السني: قرنت مثل العلم المبنى، والبناء، ككتاب المبني، ويُراد به أيضا البيت الذي يشكله الأعراب في الصحراء، ومنه الطراف والخباء والبناء والقبة والمضرب.
إن المعنى اللغوي هنا جاء بصيغة بني، لكن بالكسرة والضمة والفتحة وكل منها يدل على ما يبنى أي على شيء قائم أي جاء المعنى من البيئة المحيطة بها، حتى أصبح كل شيء قائم يسمى بناء، وكل شيء يبنى يكون بناء، وإن كان البناء ليس من أدوات البناء المتعارف عليها يسمى بناء مثل الخيمة التي يسكن فيها في الصحراء.
وجاء ايضاً بمعجم تاج العروس ومنه حديث الاعتكاف فأمر ببناته فقوض الجمع: أبنية جمع الجمع: جمع الجمع أبنيات واستعمل أبو حنيفة البناء في السفن فقال : يصف لَوْحًا يَجْعَلُه أَصْحاب المراكب في بناء السفن وإنَّه أصل البناء فيما لا ينمي كالحجر والطين ونحوه والبنية ، بالضم والكشر : ما بنيته، الجمع: البني، بالكسر، والبني بالضم مقصوران جعلهما جمعين وسياق الجوهري والمحكم أنهما مفردان؛ ففي الصحاح والبني، بالضم، مقصورة مثل البني. يقال: بنية وبنى وبنية وبلى، بكسر الباء مقصور ، مثل جزية وجزى، وفي المحكم والبنية والبنية ما بنيته، وهو البنى والبنى، ويتضح أن دلالات هذه الكلمة مترابطة ومتصلة بكل ما يحيط بها، وإن اختلف التشكيل من ضمة، أو كسرة، أو فتحة فإن الجانب الدلالي لم يتغير، وثبت في مكانه، حتى أصبحت البيوت، والقصور والخيام، والسفن تعد بناء.
إذا أمعنا الفكر وأنعمنا النظر في كلمة الجذر (بنى) سنلاحظ أن الكلمة ترتبط مع يبني، والبنيان والبنية، والابن والبنوة، وبناتك، وبنيات، وابنة، والبنات، وتبنيت. وهذه الكلمات تتأسس على الباء والنون التي تشعرك أنها مجسم يبدأ من لا شيء إلى بناء يأخذ شكلا معينا، فهل يبدأ الإنسان من شيء صغير جدا، ثم يتم بناؤه وكل جزء فيه يتكامل مع الجزء الآخر، ولا يمكن الاستغناء عنه، وكذلك البناء، والنبات.
لقد ذهب معجم الوسيط إلى محاولة تجميع هذه المعاني في مقاربة دلالية لغوية (معجمية)، إذ جاء فيه: بنى بنى الشيء بنى بلياً وبناء، وبنياناً : أقام جدازه ونحوه. يقال: بلى السفينة، وبنى الخباء. واستعمل مجازا في معان كثيرة، تدور حول التأسيس والتنمية، يقال: بنى مجده، وبنى الرجال، يعود هذا المعنى اللغوي إلى الأساس، والجذور، والتربة الرئيسية وهي البناء والتكامل، والاتساق والتناسق، التي تربط أجزاء البناء سواء أصله حقيقة كالبيت، أو مجازاً كبيت الشعر أو القصيدة.
يتبين لنا مما سبق أن المعنى اللغوي لكمة البنية في القرآن، وفي المعاجم العربية تكاملت، وتكاد تتجه إلى معنى واحد، وهو البناء الذي هو نقيض الهدم، وكيفية البناء، وروعة البنيان، وجماله، وتناسقه، واتصاله بالجانب المادي، وكل ما يحيط بالحضارة، بالإضافة لتعدد الأمور التي أصبح يطلق عليها بناء مثل الكعبة، والقبب، والخيام، والقصور والسفينة، والجدار. ومنهم من عد الداخل في عرسه بانيا، ومنهم من عد قوة الجسم بنية، فيقال : قوي البنية، ثم أصبحت تطلق على شيء غير مادي أو معنوي مثل بيت الشعر.
المطلب الثاني المعنى اللغوي للبنيوية عند الغرب؟
نقل لنا الدارسون معنى البنية في المعاجم الأوروبية فذكروا أنها تشتق من الأصل اللاتيني الذي يعني البناء، أو الطريقة التي يقام بها مبنى ما، ثم امتد مفهوم الكلمة ليشمل وضع الأجزاء في مبنى ما من جهة النظر الفنية المعمارية، وبما يؤدي إليه من الجمال التشكيلي، وتنص المعاجم الأوروبية على أن الفن المعماري يستخدم هذه الكلمة منذ منتصف القرن السابع عشر.
إن الدلالة في هذا المعنى تختص بكيفية البناء، والمادة التي يتكون منها هذا البناء، ثم تذوق الجمال الفني للبناء العمراني الموجود في الساحة الأوروبية.
وذكر القواسمة أنها في معجم أكسفورد تعني البنية كيفية بناء الشيء وتركيبه، وهي تدل على الشكل الذي شيد به مبنى أو على الطريقة التي تتكون بها الأجزاء في كل واحد أكان جسماً مادياً أو قولاً لغوياً.
وهذا يدل على كيفية بناء كل شيء في الكون، ويدل على المواد التي يتشكل بها البناء، فالبناء ليس لفظاً معنوياً، إنما معنى مادي ملموس، ومحسوس بالبصر، فهو يتشكل من محيطه ويبنى في داخله.
وفي قاموس وبستر تعني البنية عملية البناء نفسها، أو الشكل أو الطريقة التي ترتب وفقها الأجزاء المكونة للشيء، أو تعني العناصر في أي كيان كما هي العناصر اللغوية الفونيم والمورقيم.
يتشابه قاموس ويستر مع أكسفورد في أن البنية تعود لكيفية البناء، وكيفية تشكيله، والمواد التي ساعدت في تشكيله، ولكن الإضافة أن قاموس ويستر عد الكلام اللغوي شبيها بالبناء، في كيفية تشكيل الكلام من الحروف، ثم الكلمات، ثم التراكيب، حتى تظهر بالشكل المناسب.
هناك وجه شبه كبير بين المعنى اللغوي العربي والغربي لكلمة البنيوية، التي في أصلها اشتقت من كلمة بنى، وإن كان المعنى يدل على البناء، وكيفية تشكيل البناء، حتى اتفقا على أن كل مجسم بالكون يسمى بناء. لكن مع اختلاف بسيط في المعنى؛ لأن المعاجم العربية ذهبت للمعنى المجازي، ومنه بيت الشعر.
المطلب الثالث البنيوية اصطلاحاً؟
تهتم البنيوية بجميع التفاصيل في داخل النص الأدبي مهما كانت صغيرة أو كبيرة، وربما تبدأ بالصوت وتنتهي بالجملة وأبعادها الدلالية، فالبنيوية لا تنظر إلى الأمور إذا كانت صغيرة أو كبيرة، فهي تدرس من خلال منهجها المتشابك كل ما هو صغير موجود في ثنايا القصيدة، أو أي عمل أدبي دون النظر إلى ما هو محيط بالنص الأدبي، فهي تطلب من القارئ أن يتملك النص، وهي لا تنتهي عند تحليل محدد.
تعدد المعنى الاصطلاحي للبنيوية عند النقاد، فكل ناقد نظر إلى البنيوية من زاوية معينة، وإن كان هناك تشابه بينهم ولكن اختلفت في كثير من التفاصيل.
يرى سعيد علوش أن البنيوية هي نظام تحولي، يشتمل على قوانين، ويغتني عبر لعبة تحولاته نفسه، دون أن تتجاوز التحولات حدوده، أو تلتجئ إلى عناصر خارجية. ويشتمل على ثلاثة طوابع وهي: الكلية، والتحول، والتعديل الذاتي.
تتطلق البنيوية من حدود لا نستطيع تجاوزها، حتى لا تدخل في المناهج النقدية الأخرى ويصبح هناك خلط كبير ، للتقارب الدقيق فيما بينها مثل السيميائية والأسلوبية والتفكيكية، وإن كانت المناهج تتداخل مع بعضها، وتحاول البنيوية رفض المثيرات الخارجية، وتقول إنها بدأت من النص وتعود للنص من جديد وأيضا تضبط قوانينها بنفسها، وتسير بنسق واحد هو مراجعة البنية.
يقول صلاح فضل: هي مذهب من المذاهب التي سيطرت على المعرفة الإنسانية في الفكر الغربي، مؤداه الاهتمام أولاً بالنظام العام لفكرة أو لعدة أفكار مرتبطة بعضها ببعض على حساب العناصر المكونة له ويعرف أحيانا باسم البنائية، أو التركيبية.
ينظر صلاح فضل إلى أن البنيوية هي عملية ربط مكونات أي نظام بالكون مع بعضها البعض.