0 تصويتات
منذ في تصنيف حل المناهج الدراسية بواسطة (4.1مليون نقاط)

التمهيد؟ 

المبحث الأول: البنيوية لغة واصطلاحاً.

المطلب الأول: البنيوية لغة عند الغرب.

المطلب الثاني: البنيوية لغة عند الغرب.

المطلب الثالث: البنيوية اصطلاحاً.

المبحث الثاني: نشأة البنيوية وعناصرها.

المطلب الأول: الآراء النقدية التي تتشابه مع فكر البنيوية

المطلب الثاني: نشأة البنيوية

المطلب الثالث: عناصر البنيوية

المبحث الثالث: البنيوية والعرب. 

المبحث الرابع: البنيوية إلى أين

تمهيد: البنيوية مفهومها وأصولها؟ 

تتعدد المناهج النقدية في العصر الحديث بين ما يهتم بكل ما يحيط بالنصوص الأدبية المناهج السياقية، وبين المناهج التي تدرس الأدب من داخل النص واعتمادها على النص وحده، دون النظر إلى الأمور المحيطة به، ومن هذه المناهج البنيوية التي توصف بأنها رؤية في النص الأدبي من الداخل.

يقوم البيت في العادة على أسس وقواعد، وينطلق هذا البناء من خلال هذه القواعد، وكل مجسم في الكون يحتاج عوامل داخلية حتى يكتمل، ثم يبدأ المجسم بالاستقرار بعد ارتكازه على هذه القواعد، كذلك الحداثة التي انطلقت منها البنيوية وغيرها من المناهج. تنطلق المناهج النصية من أصغر وحدة صوتية وهو الفونيم الألفاظ، ثم الجمل، فالنص الإبداعي كله. إن المناهج النصية تبدأ من الصوت، وتنتهي بالتراكيب فتكامل أجزاء القصيدة. إن التشابه بين العمل الأدبي، وما يقوم عليه النظام الكوني يكون من خلال تكامل جزئيات هذا النظام فالبيت الشعري يمتلك مقومات داخلية مترابطة، ومتناسقة لا يمكن الخروج عنها، حتى لا يحدث خلل أو عدم اتزان، لذا فإن المناهج النصية ترفض كل ما هو خارج النص الأدبي لأنها تعد قوة النص في داخله فقط، دون الحاجة للظروف الخارجية التي يعتقد أنها سبب إنشاء النص الإبداعي، وقد تطورت هذه المنهجية حتى وصلت حد إعلان موت المؤلف.

المبحث الأول البنيوية لغة واصطلاحا؟ 

ذهب كثير من الباحثين وسيأتي عرض تفصيل ذلك إلى أن البنيوية من المناهج التي لها أصول في التراث النقدي العربي، والغربي، القديم والحديث، إن كلمة البنيوية تحمل عدة معان، وتحمل عدة أغصان في داخلها، إن كل معنى أخذ من غيره وبنى عليه، وأخرى بنا أن نبدأ بعرض مفهومها.

المطلب الأول البنيوية لغة عند العرب؟ 

إن أفضل الطرق لمعرفة مفهوم البنيوية الرجوع للمعنى اللغوي والاصطلاحي، ومن البدهي أن من أفضل الطرق والوسائل لتحديد المصطلح هو معاينته أولاً في معاجم اللغة، ففي المعاجم اللغوية تكمن دلالات الألفاظ، وتبرز جذورها، وتتبدى مراحل تطورها، فماذا تعني البنيوية في معاجم اللغة. 

بني لغة قبل الرجوع إلى المعاجم يجب الرجوع إلى أصدق الكلام وهو كتاب الله؛ لأن القرآن ذكر شيئا يدل على هذا المعنى، وذلك في قول الله تعالى في سورة الكهف: وكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنْ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنزَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بَنَيْنَا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِم قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أمرهم لنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهم مسجدًا.

ذكرت كلمة البناء، و تدل هذا على إنشاء شيء لم يكن موجودا في الأصل وهو بناء المسجد، فهذا يدل على أن هذا المعنى ليس فقط في عصر الرسول محمد صل الله عليه وسلم بل جاء من العصور السابقة.

أما المعنى اللغوي لكلمة البنيوية فيرجع للجذر اللغوي وهو بني، فقد جاء في معجم مقاييس اللغة الباء والنون والياء أصل واحد، وهو بناء الشيء بضم بعضه إلى بعض، انطلق معجم في الجذر اللغوي من عملية البناء وربط أجزاء البناء فوق بعضها البعض.

أما معجم العين: بنى البناء البناء بيني بنيا وبناء وبنى مقصور والبنية الكعبة، يقال: لا ورب هذه البنية، والمبناة: كهيئة الستر غير أنه واسع يُلقى على مقدم الطراف، وتكون المبناة كهيئة القبة تجلل بيتا عظيما، ويسكن فيها من المطر، ويكلون رحالهم ومتاعهم، وهي مستديرة عظيمة واسعة لو ألقيت على ظهرها الخوض تساقط من حولها، ويزل المطر عنها زليلا، تحمل الدلالة اللغوية لكلمة البنية في معجم العين في عدة معان: الأول هو بناء بيت الله، والثاني القبب التي تزين البيت، وتجمله، وترفع من قدره وتحميه من الأمطار، إن المعنى الأول والثاني كلاهما يحملان شيئا ملموسا ماديا، يدل كل منهما على الثبات.

أما في معجم مختار الصحاح (بنى) بيتا، وبنى على أهله يبني زقها (بناء) فيهِمَا، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ : بَنى بِأَهْلِهِ، وَهُوَ خَطاً قُلْتُ: وَهُوَ رَحمه الله قد قاله بالباء في (ع ر س) وكأن الأصْلَ فِيهِ أَنَّ الدَّاخِلَ بِأَهْلِهِ كَانَ يَضْرِبُ عَلَيْهَا قُبة ليلة دخوله بها، فقيل لكلِّ داخِل بِأَهْلِهِ (بَانِ) و (ابْتَنى) (دارًا وَ بَنَى) بِمَعْنَى وَالْبُنْيَانُ الْحَائِطِ وَ(الْبَنِيَّة) على فعيلة الكعبة، يقال: لا ورب هذه البنية ما كان كذا وكذا. وَ(الْبَنَى) بالضم مَقْصُور البناء يُقال: (بنية) و(بنى) و (بلية) و (بني) بكسر الباء مقصور مثل جزية وجزى، وفلان صحيح (البلية) أي الفطرة.

وفي أساس البلاغة مثل المعزى تبهي ولا تبني، أما المعنى اللغوي هنا فليس فقط في المعنى الداخلي للبناء، وإنما امتد من الداخل للخارج والمنافسة على جمالية البيت والبناء، ودخلت جماليات خارجه في أساسه.

أما في لسان العرب: البنية والبنية ما بنيتة وهو البنى والبنى يقال بنية وهي مثل رشوة ورشاء كأن البنية الهيئة التي بنيت عليها مثل المشية والركبة، والبني بضم المقصور مثل البني يقال بنية وبني بكسر الباء مقصور مثل جزية وجزى، وفلان صحيح البنية أي الفطرة، وأبنيت الرجل أعطيته بنى وما يبتني به الأرض، كلمة بني تأخذ معناها من نفسها، أي تنظر لكل شيء على أنه بناء، والتوسع العمراني بناء، وجسم الإنسان بناء كامل متكامل لا تستطيع فصل جزء من هذا الجسم أو الروح، فإذا فصل يبدأ الجسم بالهدم حتى يكمل هذا النقص، فالسماء بناء، والأرض بناء، والفلك بناء والشمس والقمر بناء أما في أساس البلاغة فبنى بنى بينا أحسن بناء وبنيان، وهذا بناء حسن وينيان حسن، وبناؤك من أحسن الأبنية وبنت وثنية عجيبة، ورأيت البني فما رأيت أعجب منها وبنى القصور وفلان يباني فلان يباريه في البناء وابتني لسكناه دارا وأبنيته بينا.

في المحيط في اللغة جاء بنى بنى البناء بناء وبني وبنية وبنية، وبان حسن البناية، والأبناء جمع الباني، وفي المثل: (أجناؤها أبناؤها) وينت الأبنية: أي بنيت بلغة طبي، وبنيائة واحدة وبنيان كثير، وأبنيت فلانا بيتا : أي جعلته له بناء. 

إن المعنى اللغوي هنا يتكون من البناء، الذي اعتمد فيه على غيره من المعاجم، واستقى المادة المعجمية منها، وهي البناء العمراني وجمالية البناء لذا فإنه لم يخرج عن الإطار العام للمعنى الذي ورد عند غيره.

أما في معجم تاج العروس: بني البني : نقيض الهدم. يقال: بناء يبنيه بنياء بالفتح، وبناء، بالكشر والمد، وبني، بالكسر والقصر، وبنيانا، كعثمان، وبنية وبناية، بكثرهما، وابتداء وبناه، بالتشديد للكثرة، كل ذلك بمعنى واحدة من الأخيرة قصر مبني أي مشيد، قال الأعور السني: قرنت مثل العلم المبنى، والبناء، ككتاب المبني، ويُراد به أيضا البيت الذي يشكله الأعراب في الصحراء، ومنه الطراف والخباء والبناء والقبة والمضرب. 

إن المعنى اللغوي هنا جاء بصيغة بني، لكن بالكسرة والضمة والفتحة وكل منها يدل على ما يبنى أي على شيء قائم أي جاء المعنى من البيئة المحيطة بها، حتى أصبح كل شيء قائم يسمى بناء، وكل شيء يبنى يكون بناء، وإن كان البناء ليس من أدوات البناء المتعارف عليها يسمى بناء مثل الخيمة التي يسكن فيها في الصحراء.

وجاء ايضاً بمعجم تاج العروس ومنه حديث الاعتكاف فأمر ببناته فقوض الجمع: أبنية جمع الجمع: جمع الجمع أبنيات واستعمل أبو حنيفة البناء في السفن فقال : يصف لَوْحًا يَجْعَلُه أَصْحاب المراكب في بناء السفن وإنَّه أصل البناء فيما لا ينمي كالحجر والطين ونحوه والبنية ، بالضم والكشر : ما بنيته، الجمع: البني، بالكسر، والبني بالضم مقصوران جعلهما جمعين وسياق الجوهري والمحكم أنهما مفردان؛ ففي الصحاح والبني، بالضم، مقصورة مثل البني. يقال: بنية وبنى وبنية وبلى، بكسر الباء مقصور ، مثل جزية وجزى، وفي المحكم والبنية والبنية ما بنيته، وهو البنى والبنى، ويتضح أن دلالات هذه الكلمة مترابطة ومتصلة بكل ما يحيط بها، وإن اختلف التشكيل من ضمة، أو كسرة، أو فتحة فإن الجانب الدلالي لم يتغير، وثبت في مكانه، حتى أصبحت البيوت، والقصور والخيام، والسفن تعد بناء.

إذا أمعنا الفكر وأنعمنا النظر في كلمة الجذر (بنى) سنلاحظ أن الكلمة ترتبط مع يبني، والبنيان والبنية، والابن والبنوة، وبناتك، وبنيات، وابنة، والبنات، وتبنيت. وهذه الكلمات تتأسس على الباء والنون التي تشعرك أنها مجسم يبدأ من لا شيء إلى بناء يأخذ شكلا معينا، فهل يبدأ الإنسان من شيء صغير جدا، ثم يتم بناؤه وكل جزء فيه يتكامل مع الجزء الآخر، ولا يمكن الاستغناء عنه، وكذلك البناء، والنبات.

لقد ذهب معجم الوسيط إلى محاولة تجميع هذه المعاني في مقاربة دلالية لغوية (معجمية)، إذ جاء فيه: بنى بنى الشيء بنى بلياً وبناء، وبنياناً : أقام جدازه ونحوه. يقال: بلى السفينة، وبنى الخباء. واستعمل مجازا في معان كثيرة، تدور حول التأسيس والتنمية، يقال: بنى مجده، وبنى الرجال، يعود هذا المعنى اللغوي إلى الأساس، والجذور، والتربة الرئيسية وهي البناء والتكامل، والاتساق والتناسق، التي تربط أجزاء البناء سواء أصله حقيقة كالبيت، أو مجازاً كبيت الشعر أو القصيدة.

يتبين لنا مما سبق أن المعنى اللغوي لكمة البنية في القرآن، وفي المعاجم العربية تكاملت، وتكاد تتجه إلى معنى واحد، وهو البناء الذي هو نقيض الهدم، وكيفية البناء، وروعة البنيان، وجماله، وتناسقه، واتصاله بالجانب المادي، وكل ما يحيط بالحضارة، بالإضافة لتعدد الأمور التي أصبح يطلق عليها بناء مثل الكعبة، والقبب، والخيام، والقصور والسفينة، والجدار. ومنهم من عد الداخل في عرسه بانيا، ومنهم من عد قوة الجسم بنية، فيقال : قوي البنية، ثم أصبحت تطلق على شيء غير مادي أو معنوي مثل بيت الشعر.

المطلب الثاني المعنى اللغوي للبنيوية عند الغرب؟ 

نقل لنا الدارسون معنى البنية في المعاجم الأوروبية فذكروا أنها تشتق من الأصل اللاتيني الذي يعني البناء، أو الطريقة التي يقام بها مبنى ما، ثم امتد مفهوم الكلمة ليشمل وضع الأجزاء في مبنى ما من جهة النظر الفنية المعمارية، وبما يؤدي إليه من الجمال التشكيلي، وتنص المعاجم الأوروبية على أن الفن المعماري يستخدم هذه الكلمة منذ منتصف القرن السابع عشر. 

إن الدلالة في هذا المعنى تختص بكيفية البناء، والمادة التي يتكون منها هذا البناء، ثم تذوق الجمال الفني للبناء العمراني الموجود في الساحة الأوروبية.

وذكر القواسمة أنها في معجم أكسفورد تعني البنية كيفية بناء الشيء وتركيبه، وهي تدل على الشكل الذي شيد به مبنى أو على الطريقة التي تتكون بها الأجزاء في كل واحد أكان جسماً مادياً أو قولاً لغوياً. 

وهذا يدل على كيفية بناء كل شيء في الكون، ويدل على المواد التي يتشكل بها البناء، فالبناء ليس لفظاً معنوياً، إنما معنى مادي ملموس، ومحسوس بالبصر، فهو يتشكل من محيطه ويبنى في داخله.

وفي قاموس وبستر تعني البنية عملية البناء نفسها، أو الشكل أو الطريقة التي ترتب وفقها الأجزاء المكونة للشيء، أو تعني العناصر في أي كيان كما هي العناصر اللغوية الفونيم والمورقيم. 

يتشابه قاموس ويستر مع أكسفورد في أن البنية تعود لكيفية البناء، وكيفية تشكيله، والمواد التي ساعدت في تشكيله، ولكن الإضافة أن قاموس ويستر عد الكلام اللغوي شبيها بالبناء، في كيفية تشكيل الكلام من الحروف، ثم الكلمات، ثم التراكيب، حتى تظهر بالشكل المناسب.

هناك وجه شبه كبير بين المعنى اللغوي العربي والغربي لكلمة البنيوية، التي في أصلها اشتقت من كلمة بنى، وإن كان المعنى يدل على البناء، وكيفية تشكيل البناء، حتى اتفقا على أن كل مجسم بالكون يسمى بناء. لكن مع اختلاف بسيط في المعنى؛ لأن المعاجم العربية ذهبت للمعنى المجازي، ومنه بيت الشعر.

المطلب الثالث البنيوية اصطلاحاً؟ 

تهتم البنيوية بجميع التفاصيل في داخل النص الأدبي مهما كانت صغيرة أو كبيرة، وربما تبدأ بالصوت وتنتهي بالجملة وأبعادها الدلالية، فالبنيوية لا تنظر إلى الأمور إذا كانت صغيرة أو كبيرة، فهي تدرس من خلال منهجها المتشابك كل ما هو صغير موجود في ثنايا القصيدة، أو أي عمل أدبي دون النظر إلى ما هو محيط بالنص الأدبي، فهي تطلب من القارئ أن يتملك النص، وهي لا تنتهي عند تحليل محدد.

تعدد المعنى الاصطلاحي للبنيوية عند النقاد، فكل ناقد نظر إلى البنيوية من زاوية معينة، وإن كان هناك تشابه بينهم ولكن اختلفت في كثير من التفاصيل.

يرى سعيد علوش أن البنيوية هي نظام تحولي، يشتمل على قوانين، ويغتني عبر لعبة تحولاته نفسه، دون أن تتجاوز التحولات حدوده، أو تلتجئ إلى عناصر خارجية. ويشتمل على ثلاثة طوابع وهي: الكلية، والتحول، والتعديل الذاتي. 

تتطلق البنيوية من حدود لا نستطيع تجاوزها، حتى لا تدخل في المناهج النقدية الأخرى ويصبح هناك خلط كبير ، للتقارب الدقيق فيما بينها مثل السيميائية والأسلوبية والتفكيكية، وإن كانت المناهج تتداخل مع بعضها، وتحاول البنيوية رفض المثيرات الخارجية، وتقول إنها بدأت من النص وتعود للنص من جديد وأيضا تضبط قوانينها بنفسها، وتسير بنسق واحد هو مراجعة البنية.

يقول صلاح فضل: هي مذهب من المذاهب التي سيطرت على المعرفة الإنسانية في الفكر الغربي، مؤداه الاهتمام أولاً بالنظام العام لفكرة أو لعدة أفكار مرتبطة بعضها ببعض على حساب العناصر المكونة له ويعرف أحيانا باسم البنائية، أو التركيبية. 

ينظر صلاح فضل إلى أن البنيوية هي عملية ربط مكونات أي نظام بالكون مع بعضها البعض.

2 إجابة

0 تصويتات
منذ بواسطة (4.1مليون نقاط)

يرى لوسيان سيف أن البنيوية: هي نظام من العلاقات الداخلية الثابتة، يحدد السمات الجوهرية لأي كيان، ويشكل كلا متكاملا لا يمكن اختزاله إلى مجرد حاصل مجموع عناصره، وبكلمات أخرى يشير إلى نظام يحكم هذه العناصر فيما يتعلق بكيفية وجودها وقوانين تطورها، فهو يرى أن البنيوية مجموعة العلاقات، أو الزوايا التي تتشكل في بناء أي قصيدة، ويرى أن القصيدة يجب أن تكون متماسكة ومتداخلة فيما بينها ولا تنظر للعالم الخارجي.

أما ليونارد جاكبسون فيرى أن البنيوية: تعني القيام بدراسة ظواهر مختلفة كالمجتمعات والعقول، واللغات، والأساطير، بوصف كل منها نظاماً تاماً، أو كلاً مترابطاً، أو بوصفها بنيات، فتتم دراستها من حيث أنساق ترابطها الداخلية، لا من حيث هي مجموعات من الوحدات أو العناصر المنعزلة ولا من حيث تعاقبها التاريخي، فهو يريد أن يقول أن البنيوية مبتعدة كلياً عن أي شيء خارجي، أو أي أحداث تحيط بالنص ويربط بين عناصر السياق والأدب، دون أن يتأثر النص بما حوله.

في ضوء ما تقدم البنيوية هي: مجموعة ترابطات داخلية تهتم بالسياق الداخلي، وتعمل على إبراز بعض التفاصيل الصغيرة بين حنايا الجمل، فهي تهتم بالنظام الداخلي بشكل رئيسي أكثر من العالم الواقعي وتعمل على تجاوز الكاتب، أو روح الكاتب، فهي تريد أن تنهي دور المؤلف، حتى يبقى النص وحده هو المسيطر على تفكير الناقد.

المبحث الثاني نشأة البنيوية وعناصرها؟ 

تبنى المناهج على بعض إشارات الماضي، ويتم التوصل إليها من خلال الترجمة، ثم يتم البناء عليها، والمنهج البنيوي كغيره من المناهج له بعض الإرهاصات التي استقاها من الماضي فهذا المنهج لم يظهر من دون أسباب.

المطلب الأول الآراء النقدية التي تتشابه مع فكر البنيوية؟ 

تعد أراء النقاد السابقين من أهم المراجع التي أغنت الأدب المعاصر والحديث؛ ومن هؤلاء النقاد أفلاطون وأرسطو تحدث كل منهما عن القضايا النقدية، التي ترفع من قيمة الشعر أو تحط منها، وأخذ العرب من آرائهم من خلال ما وصلهم من ترجمات الآرائهم النقدية فتأثروا بها، ومن أهم هذه القضايا قضية الترابط العضوي بين أجزاء العمل الأدبي، التي تتصل اتصالا مباشرا مع ما تقوم عليه البنيوية، ومن هذه الإرهاصات الوحدة العضوية والموضوعية ونظرية النظم التي نشأت عليها أفكار البنيوية، إن مصطلح الوحدة العضوية والموضوعية لم يكن شائعا في العصر القديم، إنما هذه المصطلحات تم تسميتها في العصور اللاحقة، وتم تشعيبها إلى أكثر من مصطلح مثل الوحدة الفنية، ووحدة الصورة ووحدة البيت إنما ظهرت بعض الملامح التي تدل على تقارب المصطلحات فالموضوع وهو كل شيء يتحدث به الشاعر، أو الأديب، أو الإنسان سواء أكان غزلا، أم مديحا، أم هجاء، أم غير ذلك، فالقصيدة تحتمل أن تكون ذات موضوع واحد، أو أكثر.

أما العضوي يحمل في طياته الترابط فالقصيدة سواء أكانت موضوعا واحدا، أم أكثر من ذلك، إذا لم يوجد فيها هذا الترابط العضوي أو النسيج العضوي، تبدأ القصيدة بالتفكك وانخفاض المستوى الفني فيها، ومن هنا جاء الربط بين ما قامت عليه البنيوية من تكامل، وبين أجزاء العمل الأدبي، والترابط من الأسس التي يقوم عليها مبدأ البنيوية.

بعد مفهوم الوحدة العضوية قديماً قدم الأدب، ويضرب جذوره في أعماق التاريخ، حين تحدث اليونانيون في هذا الجانب قبل أية أمة من البشرية، فمن الإنصاف أن نؤكد أن مفهوم الوحدة العضوية ليس وليد العصر، كما قد يتبادر إلى الذهن بل هو مفهوم قديم، وكان للقدماء الفضل في إرساء أصول المفهوم، وانتقل إلى العصر الحديث بعد أن مر بمراحل مختلفة عبر العصور، منذ أفلاطون ثم تلميذه أرسطو ومن تلاهم، حيث يقول كل أرسطو وأفلاطون بهما: تشير معظم الدراسات إلى رأي أرسطو، ومهملة في ذلك رأي أفلاطون قبله، حيث يقول: أفلاطون الوحدة على لسان سقراط، وهو يحاور فايدوس فقال: أحسب أنك توافقني على أن كل حديث خطاب في يجب أن يكون منظماً مثل الكائن الحي، له جسم خاص به، بحيث لا يكون مبتور الرأس، أو القدم، ولكنه في جسده وأعضائه حيث تتحقق الصلة بين عضو وآخر، ثم بين الأعضاء جميعاً. 

يقصد أفلاطون الوحدة العضوية في الخطابة، ولكن التعميم بالمنطق خطأ، فالخطابة تعد جزءا من الأدب، فالمقصود وهو تماسك الأدب، ليس فقط أجزاء الخطابة، إنما أيضاً جزيئات العمل الخطابي أو الأدبي، هنا يصل في نقطة التقاطع التي تراود بينها وبين فكر وعقلية المنهج البنيوي، فالجسم أو البناء في الواقع أو العمل الأدبي إذا بتر قطعة منه يتخلخل البناء، وهنا إما أن يتعرض البناء للهدم، لأنه لن يستطيع الصمود، أو يكون بين النهوض، أو احتمال التعرض للسقوط في أي وقت من الأوقات، كذلك العمل الأدبي.

أما أرسطو يتكلم عن الوحدة العضوية والموضوعية كان اكتشاف أرسطو الفكرة الوحدة العضوية خطيرا عظيم الأثر، فالمأساة كالكائن الحي العضوي ذات أجزاء، لكل جزء منها مكانه، إذا اختل أو نقل انفصمت الوحدة، تعذر عليه أداء وظيفته وقد أثر أرسطو بهذا الاكتشاف في وضع العمل الفني كله إدراك الوحدة العضوية للعمل الأدبي، مما كان دعامة لمن تكلموا عن هذه الوحدة في القصيدة، أو في مختلف الأصناف الأدبية. 

أرسطو يقصد بالوحدة العضوية التي في المسرحية بدليل ورود كلمة المأساة، بالإضافة إلى كلمة وحدة البناء التي تختص بالعمل المسرحي لأن الفوضى بالأفكار والخواطر تختص بالمسرحية، حيث تقضي على ملامح العمل المسرحي والعمل الفني ومنها نستنتج أن كليهما لم يقصد الوحدة العضوية في الشعر : فأرسطو قصد الوحدة في العمل المسرحي والملاحم، وأفلاطون قصد فن الخطابة، لكل منهما وحدته الخاصة به، ولكن الأدب بعد فنا متكاملا، والأجناس الأدبية متداخلة، فالمسرحية مجموعة من الكلمات المترابطة فيما بينها، ويدخل أحيانا الشعر فيها.

حين تنظر في رؤية كل من أفلاطون وأرسطو للوحدة العضوية في الشعر؛ تعرف أن كلاهما أسا لكثير مما بات منهجا في النقد الحديث.

للنقاد العرب القدامي أيضا رؤيتهم في القضايا النقدية الإنسانية، ومن تلك القضايا قضية الوحدة العضوية والموضوعية التي أسهمت في بناء بعض ملامح البنيوية: رأى الجاحظ عام 255ه ضرورة اتساق المعاني في الأبيات المتجاورة فيما سماه (القرآن)، وبعد الجاحظ من أوائل من تحدث عن وجود علاقة انسجام بين الألفاظ وحسن تجاورها وسهولة مخرجها فيقول: أجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء سهل المخرج، فيعلم أنه أفرغ إفراغاً واحداً، وسبك سبكاً واحداً، فهو يجري على اللسان كما يجري على الدهان، فنراه يؤكد على اتفاق أجزاء الشعر من البيت بأن تكون الحروف ليئة المعاطف سهلة ورطبة مؤاتية سلسة النظام، خفيفة على اللسان حتى كان البيت بأسره كله وحتى كان الكلمة بأسرها حرف واحد. 

أي ضرورة أن تكون هناك جودة في اختيار الألفاظ التي تناسب الصياغة، والبراعة في مدى مناسبة الألفاظ للمعاني، ووضوح السبك والجودة في بناء القصيدة، أيضا الوحدة والتكامل والاتصال بين أجزاء العمل الأدبي.

تابع ابن قتيبة (ت 276هـ) رأي الجاحظ الجاحظ في مراعاة الحالة النفسية للسامعين للتأثير فيهم بتهيئة الجو النفسي المناسب، فمن هذه الناحية على ابن قتيبة بناء القصيدة العربية باستهلالها بالبكاء على الأطلال، ثم الانتقال إلى وصف الرحلة والنسيب، وذلك لارتباطها بحياة العربي القديم التي تميل إلى التنقل والارتحال، يقول ابن قتيبة : الشاعر المجيد من سلك هذه الأساليب وعدل بين هذه الأقسام، فلم يجعل واحدة منها أغلب على الشعر، ولم يطل فيمل السامعين، ولم يقطع وبالنفوس ظماء إلى المزيد ويطالب شعراء المتأخرين بضرورة التزام عمود الشعر العربي كما فعل المتقدمين، وعدم الخروج عن هذا الموروث. 

ليس من الضرورة إذا أراد الشاعر أن يكتب قصيدة أن يفعل مثل الشعراء المتقدمين فكل شاعر يمتلك شخصيته وذاته، بالإضافة إلى أن هناك مواقف لا تحتاج إلى الوقوف على الموروث التقليدي.

فالشاعر يمتلك ردة فعله الخاصة ومشاعره الخاصة أيضا. ثم إن الشاعر لم يبك على الديار، فلماذا يطلب منه أن يضعها في شعره كأن البنيوية استمدت موت الحياة من رأي ابن قتيبة، الذي يربط الشعر بنفسه دون التقليد والتأثر، وهذا ما تبني عليه البنيوية مادتها ومنهجها اللامبالاة للماضي، والانطلاق نحو النص والمعنى ليس حرفيا ولكنه مقاربة فنية.

يتابع ابن طباطبا (ت 322هـ) موقف ابن قتيبة في الاهتمام الكلي ببناء القصيدة العربية، والاهتمام بالترابط الكلي بين أجزاء القصيدة وتلاحمها، فهو يريد أن تكون القصيدة ذات طابع متكامل فهو يوجه الشاعر إلى القصيدة المتكاملة في جميع النواحي، واهتم بتنسيق أبياته وحسن تجاورها أو قبحها فيلائم بينها، كأنه يتوافق مع شعراء الصنعة والتكلف.

فيقول ابن طباطبا: ينبغي للشاعر أن يتأمل شعره بتنسيق أبياته، وحسن تجاورها أو قبحها فيلائم بينها لتنتظم له معانيها، ويتصل كلامه فيها، ولا يجعل بين ما قد ابتدأ وصفه أو بين تمامه فصلاً من حشو ليس من جنس ما هو فيه، فينسى السامع المعنى الذي يسوق القول إليه كما أنه يحترز ذلك في كل بيت فلا يباعد بين كلمة عن أختها، ولا يحجز بينها وبين تمامها بحشو يشينها ويتفقد كل مصراع هل يشاكل ما قبلها. 

ويذهب ابن طباطبا إلى أكثر من ذلك فهو يطالب أن تكون القصيدة كلها ككلمة واحدة في اشتباه أولها بآخرها نسجاً وحسناً وفصاحة، وجزالة في الألفاظ، ودقة في المعاني، صوباً في التأليف. فترى الوحدة عند ابن طباطبا في العمل الفني كالسبيكة المفرغة، وهو يدخل في غرض ثم يخرج منه ليعود إلى غرض ثان، لا نجد تناقضاً في معانيها ولا يوجد في مبانيها تكلف في نسجها، هذا ما يريده من الشاعر، ويريد ابن طباطبا من الشعراء أن يكون هناك تناسق في كل شيء داخل القصيدة، من أصغر وحدة في البيت إلى أكبر وحدة فيه، فهو يريد أن تكون القصيدة منتظمة في جميع جوانبها داخل القصيدة، حيث الحروف تجاور بعضها البعض بشكل منتظم ومتناسق.

0 تصويتات
منذ بواسطة (4.1مليون نقاط)

أما النظم أشبه بالبناء الذي انطلقت منه البنيوية، فالتشابه بين النظم والبنية أقرب من التكامل والاتساق فيما بينهما، فالنظم كأنك تنظم الكلمات بجانب بعضها البعض، وإذا أزلت كلمة يختل هذا النظم كذلك البنية، أو البناء الموجودة في كل شيء في الوجود، مثل البناء الذي إذا اختل أحد عناصر هذا البناء وقع وسقط.

وفكرة النظم عند عبد القاهر الجرجاني تقوم على: تعليق الكلم بعضها ببعض وجعل بعضها بسبب بعض كما يجعل وجوه التعلق ثلاثة تعلق اسم باسم، وتعلق اسم بفعل، وتعلق حرف بهما. 

يستند الجرجاني في بناء نظريته على القرآن، عندما عد كلمات القرآن كلمات إعجازية، وإذا حذف إحدى كلماته أو حروفه اختل النظم، ثم اعتمد النظرية في الشعر، في كيفية الترابط اللغوي والتناسق بين الكلمات حتى تشعرك أنها كلمة واحدة، وإذا اختلف شيء ظهر وبان، تلك الظروف التي نشأت عليها نظرية النظم، فهناك تشابه بين جزيئات نظرية النظم والمنهج البنيوي، لكن المنهج البنيوي ذهب إلى ما هو أوسع وأشمل من نظرية النظم التي تعد محدودة.

إن الآراء السابقة للنقاد كانت جزءا استفادت منه المناهج الحديثة، فالبنيوية كغيرها من المناهج بنت على ما أخذته من الماضي، وبالتالي كانت هذه الآراء قواعد ترتكز عليها في سبيل الوصول لقلب النص دون النظر للغلاف المحيط للنص.

المطلب الثاني نشأة المنهج البنيوي؟ 

معلوم أن التطور هو سنة الطبيعة الكونية، لذلك فإن نظرة الإنسان إلى الفن والجمال تتغير أيضًا وتتطور الأسباب مختلفة ومتعددة، ومن مظاهر هذا التغير في المجال الأدبي: تطور الإبداعات الأدبية وتعدد أجناسها وأنواعها، لذلك من العصر الحديث نتيجة هذا التطور بمرحلتين المرحلة الأولى التي سبقت الحداثة وفيها التمسك بأراء القدماء دون المحاورة والمناقشة، المرحلة الثانية هي مرحلة الحداثة والتجديد في الأدب مع الإبقاء على القاعدة اللغوية، من هنا ظهرت الحداثة التي بدأت بمجاراة الواقع ونسف بعض المفاهيم المتعلقة بالإبداع الأدبي، حيث ظهرت المناهج الأسلوبية والبنيوية والسيميائية والتفكيكية.

تتعدد أسباب ظهور البنيوية فمنهم من يقول إن أصل ظهورها يبدأ من محاضرات فرديناند دي سوسير، ومنهم من يقول رولان بارت في قضية موت المؤلف مثل ما ورد الذكر سابقاً، ومنهم من ذكر بوجود بعض الإرهاصات قديماً مثل ما ذكرت سابقاً بخصوص الوحدة العضوية والموضوعية عند أرسطو وأفلاطون والتشابه ببعض الجوانب التي ظهرت في المنهج البنيوي، أو قضية النظم عند عبد القاهر الجرجاني التي تتوافق مع بعض ما جاءت به البنيوية في الاهتمام بعلاقات أجزاء النص بعضها ببعض، صغيرة أو كبيرة في الأدب.

يعود نشوء البنيوية في أصوله لبعض آراء القدماء، ولكن كتحديد للمصطلح ظهرت البنيوية في نواح عديدة من نواحي الحياة، والذي يهمنا هنا هو الحديث عن ظهورها في النقد الأدبي وقد ذهب بعض النقاد إلى القول: إن المدرسة البنيوية، أو المنهج البنيوي لم يظهر في الساحة النقدية الأدبية اللغوية إلا في منتصف القرن العشرين. 

نشأت البنيوية تحاول نسف الماضي، مثل: رفضها للمناهج السياقية مثل المنهج التاريخي والاجتماعي والنفسي والوضعي، لقد قيل عن البنيوية إنها فلسفة موت الإنسان، رغم أن الأصل في ظهورها جاء من منطلق محاولة تقديم منهج جديد في دراسة العلوم الإنسانية والاجتماعية فقد أنصب اهتمام البنيوية على الهياكل أو البناءات أو النظم الثابتة الكامنة وراء شتى مظاهر الخبرة البشرية ومن ثمة مجدت البنية على حساب مقوماتها، والتحليل البنيوي على حساب الاستقراء والتعميم، وبالتالي تجاهلت البنيوية أهمية كل عنصر على حدة ودلالته، بل ضحت بهذه الدلالات من أجل البناء العام الذي تخضع له. 

فالمتلقي كان يعد منذ فترة طويلة أن العمل الأدبي جزءاً من الحضارة، وأن النص الأدبي تعبير عن صاحبه إلا أن البنيوية نجدها قد فصلت بين النص ومؤلفه.

والبنيوية عدة مصادر منها محاضرات دي سوسير نقطة الانطلاق نحو العالم، ونحو الفضاء لبناء قاعدة خاصة بأصحاب هذه الفلسفة، لذلك يمكن عد هذا الرجل هو سبب النشأة لهذه الفلسفة، فقد غير عقول كثير من أعلام البنيوية، واستطاع أن يفرض فكره، وطريقة تفكيره على أعلام البنيوية، وهم بالسنتهم تحدثوا عن فضل محاضراته في نشأة البنيوية.

المصدر الأول: حركة الشكلانيين الروس والتي ظهرت في روسيا بين عامي (1915) و (1930)، وقد دعت إلى العناية بقراءة النص الأدبي من الداخل؛ لأن الأدب من منظورهم بعد نظاما السنيا ذا وسائط إشارية (سيميولوجية) للواقع، وليس انعكاسا للواقع، ولذلك استبعدوا علاقة الأدب بالأفكار والفلسفة والمجتمع والتاريخ. 

هذه المدرسة بدأت بالثورة على المناهج المحافظة لمحيط النص، ومناسبة ظهور النص، ورفضت أي علاقة خارجية للنص، وأصرت على ضرورة دراسة النص فقط في أجزائه الداخلية وبناء أي تحليل فقط يعتمد على النص الداخلي.

المصدر الثاني: هو ذيوع صيت علم اللسانيات الحديث، والذي يتقاطع مع المدرسة الشكلانية الروسية ولعل هذا المصدر هو أهم مصادر البنيوية، ولا سيما السنية دي سوسير الذي يعد رائد الألسنية البنيوية بسبب محاضراته (دروس في الألسنية العامة التي نشرها تلامذته (1916) بعد وفاته، وعلى الرغم من أنه لم يستعمل كلمة بنية فإن الاتجاهات البنيوية كلها قد خرجت من السنيته، فيكون هو قد مهد الاستقلال النص الأدبي بوصفه نظاما لغويا خاصا، وفرق بين اللغة والكلام فاللغة عنده هي نتاج المجتمع للملكة الكلامية، أما الكلام فهو حدث فردي متصل بالأداء وبالقدرة الذاتية للمتكلم. 

هناك تشابه بين ما جاءت به المدرسة الروسية ومحاضرات دي سوسير وهو الاهتمام بالنص من الداخل، ودارسة النص ضمن حدوده، وعدم الخروج عن هذه الحدود، وبسبب هذه المصادر ظهرت البنيوية وبدأت هذه الملامح بالوضوح.

المطلب الثالث عناصر البنيوية؟ 

أما جان بياجيه فيعد البنيوية قائمة على ثلاثة عناصر هي:

1- الكلية: أي أن البنية لا تتألف من عناصر خارجية تراكمية مستقلة عن الكل، بل هي تتكون من عناصر خاضعة لقوانين مميزة للنسق من حيث هو نسق. 

2- التحولات: أي أن المجاميع الكلية تنطوي على ديناميكية ذاتية، تتألف من سلسة من التغيرات الباطنية التي تحدث داخل نسق أو منظومة خاضعة في الوقت نفسه لقوانين البنية الداخلية دون التوقف على عوامل خارجية.

3- التنظيم الذاتي: وهو أن في وسع البنيات تنظيم نفسها بنفسها، مما يحفظ لها وحدتها، ويكفل لها المحافظة على بقائها، ويحقق لها ضرباً من الانغلاق الذاتي. 

وهو بهذا يريد أن يقول إن الأدب يتألف من مجموعة من التفاعلات التي تنتج من الاحتكاك فيما بينها، أي تعطي الاتزان والتوافق فيما بينها، حتى يظهر الأدب أنه كقطعة واحدة لا يوجد به اختلاف ولا وخروج عن النظام الذي يتبعه الأديب في أدبه، أي دون الالتفات لما يدور في عقل الأديب في العالم الخارجي، والبقاء والسكون داخل القطعة الأدبية، وبناء القطعة الشعرية من داخلها دون الحاجة للخارج لبناء الداخل الفني، كل هذه التحولات ترتبط فيما بينها في سبيل تنظيم أجزائها الداخلية.

المبحث الثالث المنهج البنيوي والعرب؟ 

توزع النقاد العرب في رؤاهم النقدية فمنهم من رأى البنيوية منهجا يصلح للبناء عليه والأخذ به في النقد الأدبي العربي، ومنهم من رأى أنه غير ذلك تماما، ومنهم من رأى إمكانية الأخذ مما يتناسب منه مع الثقافة العربية وواقعها، إن انتشار البنيوية وهيمنتها على النقد العربي منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى هذا اليوم تأتي لتؤكد انبهار نقادنا ومفكرينا بكل ما هو غربي، والأهم ظاهرة الاقتطاف غير الواعي بخصوصية واقعنا الأدبي والاجتماعي ودرجة تطورهما، لكن الظاهرة البنيوية في نقدنا العربي لها أسسها المعرفية التي يمكن أن تتجلى بأمرين: الأول إحساس نقادنا بقصور المناهج السابقة وضرورة تجاوز المرحلة الانطباعية والتأثرية في النقد، ويرتبط الأمر الثاني بأزمة الديمقراطية في وطننا العربي، ففي مثل هذه الأحوال تبدوا البنيوية وغيرها من المناهج الشكلية خير ملاذ للكثيرين من نقادنا ومثقفينا. 

بعد هذان العاملان السبب الرئيس في زواج البنيوية في الوطن العربي، فالنقاد العرب بعد إحساسهم بأن النقد التأثري غير منطقي أصبحوا يبحثون عن حلول تساعدهم في تجاوز هذا، فذهب أغلبهم إلى النقد الذي يدرس الأدب وفق قواعد معينة فكانت البنيوية خير ملاذ لهم، والسب الثاني الديمقراطية التي بسببها ظهرت المناهج الشكلية حيث يتفقون أن هذه المناهج ومن ضمنها البنيوية تعطي حكماً صادقا، كل تلك الأصول يمكن عدها سببا في انتشار البنيوية.

ويمكن التعرف على ملامح البنيوية عند النقاد العرب من خلال: مفهوم البنيوية عند الناقد كمال أبي ديب في كتابه (جدلية الخفاء والتجلي) يقول: هي ليست فلسفة، لكنها طريقة في الرؤية ومنهج في معاينة الوجود. ولأنها كذلك فهي تثوير جذري للفكر وعلاقته بالعالم وموقعه منه وبإزائه في اللغة، لا تغير البنيوية اللغة، وفي المجتمع، لا تغير البنيوية المجتمع، وفي الشعر لا تغير البنيوية الشعر. لكنها بصرامتها وإصرارها على الاكتفاء المتعمق، والإدراك متعدد الأبعاد، والغوص على المكونات، تغير الفكر المعاين للغة والمجتمع والشعر وتحوله إلى فكر متسائل. 

فهو يريد أن يفرق بين البنيوية والفلسفة ويختار لكلاهما طريقا يسير فيه، ويرى أن للبنيوية منهاجا خاصا بها، وأنها لا تغير اللغة ولا الشعر ولا المجتمع، لكن جديتها التعمق في المكونات الأساسية التي تنشأ بينها، واستطاعت أن تربط العناصر الثلاثة السابقة وفق أسلوب محدد وهو ربط العناصر مع بعضها ودراستها من داخل النص فقط فهو يرى ضرورة الدقة في دراسة العمل الأدبي وفق هذا المنهج، وركز في كتابه على الصورة الشعرية، وفضاء القصيدة، والإيقاع الشعري، الأنساق البنيوية كل تلك الظروف السابقة والمحاولة في التجديد أسهم في نشأة البنيوية في العالم الأدبي والفني.

المبحث الرابع البنيوية إلى أين؟ 

يقول الناقد السوري محمد عزام: إذا كانت البنيوية قد انطلقت في النصف الثاني من القرن العشرين فملأت الدنيا وشغلت الناس، فإنها بدأت بالتراجع منذ إضرابات الطلاب الراديكالية في فرنسا عام 1968؛ مما جعل البنيويين يعيدون النظر في مواقفهم ومنهجهم الذي خرجت من رحمه مناهج نقدية عديدة كالأسلوبية، والسيميائية، والتفكيكية، بالإضافة إلى الألسنية، التي هي عماد هذه المناهج النقدية جميعا. 

كل شيء في الكون قابل للتعديل والتطور والتقدم، فإذا وجد الأفضل يذهب النقاد إليه، وكل منهج فيه بعض العيوب التي تحتاج إلى تعديل مثل إهمال دور المؤلف في نشأة النص وغيرها.

اسئلة متعلقة

0 تصويتات
1 إجابة
0 تصويتات
1 إجابة
0 تصويتات
1 إجابة
مرحبًا بك إلى أثير الثقافة، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...